موقع العين وادي عارة :- خلال السنوات القليلة التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية سجّل مرض شلل الأطفال انتشارا سريعا في مختلف الدول، وتزامنا مع ذلك عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع تزايد ملحوظ لعدد المصابين بهذا المرض، ففي حدود سنة 1952 أحصت وزارة الصحة الأميركية أكثر من خمسين ألف إصابة بشلل الأطفال حيث فارق حوالي ثلاثة آلاف منهم الحياة، بسبب تبعات المرض بينما عانى عشرون ألفا آخرون من عاهات مستديمة، فضلا عن ذلك يعد الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت أشهر المصابين بهذا المرض، وعلى إثر نجاته من الموت عانى الرئيس الأميركي من تشوه أجبره على اعتماد كرسي متحرك في تنقلاته.


مطلع سنة 1947 باشر الطبيب والعالم الأميركي جوناس سولك أبحاثه بجامعة بيتسبرغ للطب بولاية بنسلفانيا من أجل إيجاد لقاح لمرض شلل الأطفال وفي الأثناء كانت أعماله في هذا المجال محدودة بسبب صغر حجم مخبره وافتقاره للعديد من الأساسيات، لكن في حدود سنة 1948 حصل هذا الطبيب الأميركي على الفرصة التي لطالما انتظرها عقب استدعائه من قبل المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال والتي تأسست في وقت سابق سنة 1938 بأمر من الرئيس الأمريكي السابق فرانكلن روزفلت.
على إثر انتقاله للعمل لصالح المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال، حصل الطبيب جوناس سولك على مخبر أكبر حجما كما توفرت له جميع مقومات العمل ليواصل الأخير عقب ذلك أبحاثه على مرض شلل الأطفال بغية الوصول إلى لقاح ينقذ البشرية من خطر هذا المرض الفتاك.
فيروس ميت ولقاح آمن
خلافا لكل ما كان متوقعا اتجه الطبيب جوناس سولك إلى الإعتماد على فيروس ميت من أجل إنتاج لقاحه ضد مرض شلل الأطفال، حيث أكد الأخير أن الفيروس الميت أكثر أمانا وعلى إثر عدد من التجارب الناجحة على الحيوانات لم يتردد الطبيب الأميركي في تجربة لقاحه الجديد مطلع شهر تموز/يوليو سنة 1952 على نفسه، إضافة إلى عدد من الأطفال كان من ضمنهم أبناؤه وبعد مضي بضعة أسابيع عن تجربته الأولى على البشر اتجه جوناس سولك نحو توسيع تجاربه لتشمل عددا من الأطفال المصابين بتخلف ذهني، ومع حلول سنة 1954 تمت تجربة هذا اللقاح الذي اعتمد على فيروس ميت على حوالي مليوني طفل تم تلقيبهم برواد شلل الأطفال.

يوم الثاني من شهر أبريل/نيسان سنة 1955 وعلى إثر نجاح هذه التجارب أعلنت الإدارة الأميركية أن لقاح شلل الأطفال الذي اكتشفه جوناس سولك آمن وقابل للتسويق والاستعمال.
رفض براءة الاختراع
من خلال لقطة إنسانية رائعة أثارت ذهول الجميع رفض جوناس سولك الحصول على براءة إختراع لقاح مرض شلل الأطفال، مؤكدا أن ذلك سيساهم في تسويق هذا اللقاح بأقل الأسعار مما سيجعله في متناول الجميع، حيث لن تجبر المخابر عقب ذلك على دفع رسوم الترخيص.
وعلى حسب المختصين الأميركيين تسبب قرار جوناس سولك الرافض للحصول على براءة إختراع لقاح شلل الأطفال في خسارة الأخير لمبلغ يقدر بسبعة مليار دولار.

وخلال السنوات التالية تمكن الباحث الأميركي ألبرت سابين من تطوير لقاح فموي لمرض شلل الأطفال وقد حقق هذا اللقاح رواجا سريعا وكمواطنه جوناس سولك رفض ألبرت سابين الحصول على براءة الاختراع، مفضلا أن يكون اللقاح متاحا للجميع بأقل الأسعار .